فصل: الشاهد السابع والعشرون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن حصار بجاية وبناء تيمرزدكت وانهزام عساكر السلطان عنها:

كان أبو تاشفين منذ خلاله الجو وتمكن في الأمر من القوم يلح على بجاية بترديد البعوث ومطاولة الحصار والسلطان أبو بكر دفع لحمايتها والممانعة دونها من رجالات دولته وعظماء وزرائه الأول فالأول من أهل الكفاية والاضطلاع بما يدفع إليه من ذلك وسرب إليهم المدد من الأموال والأسلحة والجنود وتعهد إليهم بالصبر والثبات في المواطن ونظراؤه من وراء ذلك وكان أبو تاشفين كلما أحس من السلطان أبي بكر بنهوضه إلى المدافعة عنها أو عزم على غزو كتائبه المجمرة عليها رماه بشاغل يوهن من عزمه ويسكن عنان بطشه وكان فتنة ابن عمر من أدهى الشواغل في ذلك بما كان يجنب العرب عن الطاعة ويجمع الأعراب للإجلاب على الحضرة وينصب الأعياص يطمعهم فيما ليس لهم من نيل الخلافة وكان ذلك ديدنا متصلا أزمان تلك المدة.
ولما سرح أبو تاشفين العساكر سنة خمس وعشرين وسبعمائة إلى إبراهيم بن الشهيد وحمزة بن عمر وأوليائهم من أهل أفريقية وعقد عليها لموسى بن علي من رجالاته فنازل قسنطينة ثم أقلع عنها وعاود حصارها سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وشن الغارة في نواحيها واكتسح الأموال ورجع إلى وادي بجاية فاختط مدينة بثيكلات على مرحلة منها وعلى قارعة الطريق الشارع من الغرب إلى الشرق بما كانت بجاية زائغة عنه إلى البحر فاختطوا تلك المدينة وشيدوها وجمعوا الأيدي عليها وقسموها مسافات على جيوشهم فاستتمت لأربعين يوما سموها تيمرزدكت باسم حصنهم الأقدم بالجبل قبالة وجدة حيث امتنع يغمراسن على السعيد ونازله وهلك عليه كما ذكرناه في أخباره وشحنوا هذه المدينة بالأقوات والعدد وعمروها بالمقاتلة من الرجل والفرسان والقبائل وأخذت بمخنق البلد وقلق السلطان بمكانها فأوعز إلى قواد عساكره وأصحاب عمالاته من مواليه وصنائعه أن يفروا بعساكرهم إلى صاحب الثغر محمد بن سيد الناس ويزحفوا معه إلى هذا البلد المخروب ويستميتوا دون تخريبه فنهض ظافر الكبير من قسنطينة وعبد الله العاقل من هوارة وظافر السنان من بونة وتوافر ببجاية سنة سبع وعشرين وسبعمائة وبلغ موسى بن علي خبرهم فاستنفر من عساكر بني الواد وخرجت العساكر جميعا من بجاية تحت لواء ابن سيد الناس وزحف إلى العدو بمحلهم من تيكلات فكانت الدبرة عليه وعلى أصحابه وقتل ظافر الكبير ورجع فلهم إلى بجاية وداخلت ابن سيد الناس فيهم الظنة كما تداخل موسى بن علي ابن زبون كل واحد منهما بصاحبه على سلطانه فمنعهم من دخول البلد ليلتئذ وأسحروا قافلين إلى أعمالهم وعقد السلطان على قسنطينة لأبي القاسم بن عبد العزيز أياما ثم استقدمه إلى الحضرة ليستعين به محمد بن عبد العزيز المزوار في خطة حجابته بما كان غفلا من الأدوات التي تحتاج إليها الحجابة وعقد على حجابة الأمير أبي عبد الله بقسنطينة لمولاه ظافر السنان إلى أن كان من تحول شأنه ما نذكره.

.الخبر عن مهلك الحاجب المزوار وولاية ابن سيد الناس مكانه ومقتل ابن القالون:

هذا الرجل محمد بن القالون المعروف بالمزوار لا أدري من أوليته أكثر من أنه كردي من الأكراد الذين وفد رؤسائهم على ملوك المغرب أيام أجلاهم التتر عن أوطانهم بشهر زور عند تغلبهم على بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فمنهم من أقام بتونس ومنهم من تقدم إلى المغرب فنزلوا على المرتضى بمراكش فأحسن جوارهم وصار قوم منهم إلى بني مرين وآخرون إلى بني عبد الواد حسبما يذكر في أخبارهم.
ومن المقيمين بالحضرة كان سلف ابن عبد العزيز هذا إلى أن نشأ هو في دولة الأمير أبي زكريا الأوسط صاحب الثغور الغربية وتحت كنف من اصطناعه واختلط بأبنائه وقدم في جملة ابنه السلطان أبي بكر إلى تونس مقدما في بطانته ورئيسا على الحاشية المتسمين بالدخلة وكان يعرف لذلك بالمزوار وكان شهما وقورا متدينا وله في الدولة حظ م الظهور وهو الذي تولى كبر السعاية في الحاجب بن القالون حتى إرتاب بمكانه ووفد إلى أبي عمران سنة إحدى وعشرين وسبعمائة كما قدمناه وولاه السلطان الحجابة مكانه فقام بها مستعينا بالكاتب أبي القاسم بن عبد العزيز لخلوة هو من الأدوات وإنما كان شجاعا ذا همة ولم يزل على ذلك إلى أن هلك في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة وأراد السلطان على الحجابة محمد بن خلدون جدنا الأقرب فأبى ورغب في الإقالة فأجيب جنوحا لما كان بسبيله منذ سنين من الصاغية في السكون والفرار من الرتب وأشار على السلطان بصاحب الثغر محمد بن أبي الحسين بن سيد الناس لتقدمة سلفه مع سلف السلطان وكثرة تابعه وخاشيته وقوة شكيمته في الاضطلاع بما يدفع إليه أخبرني بهذا الخبر أبي رحمه الله وصاحبنا محمد بن منصور بن مزني قال لي: حضرت لاستدعاء جدكم إلى معسكر السلطان بباجة يوم مهلك المزوار وأدخله السلطان إلى رواقه وغاب مليا ثم خرج وقد استفاض بين البطانة والحاشية أنه دعي إلى الخطة فاستنكرها وأقام السلطان يومئذ في خطة الحجابة الكاتب أبا القاسم بن عبد العزيز يقيم الرسم واستقدم خالصته محمد ابن حاجب أبيه أبي الحسين ابن سيد الناس فقدم في محرم فاتح ثمان وعشرين وسبعمائة وولاه حجابته فاضطلع بها وجدد له على بجاية وحجابة ابنه بها فدفع إليها للنيابة عنه في الحجابة صنيعته محمد بن فرحون ومعه كاتبه أبو القاسم بن المريد وجرى الحال على ذلك ببجاية وعساكر زناتة تجوس خلالها ومعاقلهم تأخذ بمخنقها وقدم ابن القالون دوين مقدم ابن سيد الناس بشفاعة من نزيله علي بن أحمد سيد الزواودة وطمع في عوده إلى الخطة.
وكان من خبره أنه لما تخلف عن السلطان بتونس في خدمة ابن أبي عمران رأى ركوب السفن إلى الأندلس فأعجلهم السلطان عن ذلك وخرج ابن أبي عمران فأجلب معه على الحضرة مرارا ولحق بتلمسان ثم جاء مع ابن الشهيد وفعل الأفاعيل ثم انحل أمر ابن الشهيد ولحق هو بالزواودة من رياح ونزل على علي ابن أحمد رئيسهم لذلك العهد فأجاره وأنزله بطولقة من بلاد الزاب وخاطب السلطان في شأنه واقتضى له الأمان حتى أسعف ووفد على الحضرة مع أخيه موسى بن أحمد وفي نفس ابن القالون طمع في الخطة وسبقه ابن سيد الناس إلى السلطان فأشغل بها وجاء ابن القالون من بعده فأوصله السلطان إلى نفسه واعتذر إليه ووعده وعقد له على قفصة فسار إليها وصحب موالي السلطان من المعلوجين بشهير وفارح وأوعز ابن سيد الناس إلى مشيخة قفصة يتقبضون على حاميته ليتمكن الموالي منه فلما نزل بساحة البلد كشلي من جند الترك المرتزقة كان في جملته منذ أيام حجابته وكان يستظهر بمكانه فلما دخل إلى البلد قتل في سككها فكانت لقتله هيعة تسامع الناس بعظمها من خارج البلد وبرز ابن القالون من فسطاطه وقد كر فتقدم إليه الموالي الذين جاؤا معه وتناولوه طعنا بالخناجر إلى أن هلك والله وارث الأرض ومن عليها.